منهجية البحث في العلوم الإنسانية
منهجية البحث في العلوم الإنسانية
منهجية البحث في العلوم الإنسانية هي الطريق نحو إعداد بحث متعلق بعلوم الإنسانيات، وتلك النوعية من الأبحاث تمثل النسبة الأكبر من البحوث في الوقت الحالي مع احترامنا الجمِّ للعلوم التطبيقية، ولا شك في أن كثرة المشكلات ذات الصلة بالسلوك الإنساني هي التي زادت من حجم الرسائل من هذا النوع، ونرى من وجهة النظر الخاصة بنا أنه كلما مرَّ الوقت وتطوَّر الإنسان زادت مشكلاته الاجتماعية، فنحن نسمع الآن عن مشكلات اجتماعية غريبة في جوهرها ولم تكن موجودة في الماضي، فعلى سبيل المثال ظاهرة الإدمان، لم تكن مُنتشرة بذلك الشكل مُسبقًا، وكذلك اختلال الذوق العام والتمرد على التقاليد والأعراف الحميدة... إلخ، كل ذلك آفات ينبغي علاجها وحلها من خلال منهجية البحث في العلوم الإنسانية والتي سوف نفندها في هذا المقال.
ما تعريف منهجية البحث في العلوم الإنسانية؟
منهجية البحث في العلوم الإنسانية المقصود بها الأسلوب المُتَّبع لاستكشاف ودراسة الإشكاليات ذات الصبغة الاجتماعية، ومن أمثلتها أبحاث علم النفس والاجتماع والفلسفة... إلخ، وتختلف تلك الطريقة عن الأسلوب المُتَّبع في العلوم التطبيقية من حيث المنهج وأدوات الدراسة المستخدمة وأسلوب وضع الفروض العلمية.... إلخ.
ما خطوات منهجية البحث في العلوم الإنسانية؟
لمنهجية البحث في العلوم الإنسانية إجراءات معينة لحين الوصول إلى نتائج نهائية توضح مكنون وطبيعة المشكلة، وتلك الإجراءات تتمثل فيما يلي:
الإجراء الأوَّل اختيار الإشكالية: ويُعد ذلك هو بداية منهجية البحث في العلوم الإنسانية، ويعرف البعض تلك الخطوة أيضًا باسم (تحديد المشكلة)، ومن المهم أن تكون تلك المشكلة في صميم تخصص الباحث، فعلى سبيل المثال لا يمكن لخريج كلية الحقوق أن يقوم ببحث اجتماعي، والعكس، فلكل طالب مجاله وتخصصه، ومعلومات مغايرة اكتسبها من خلال دراسة طويلة الأمد، ومن أبرز مصادر اختيار الإشكالية في العلوم الإنسانية ما يلي:
- الدراسات السابقة: تُعتبر الدراسات السابقة من أكثر المصادر التي يمكن أن يسوق منها الباحث إشكاليته العلمية، فقد يفكر الباحث في مشكلة ما أثناء قراءة كتاب اجتماعي أو فلسفي.. إلخ، ومن ثم يبدأ التفكير في كون الكاتب الذي يقرأ له قد جانبه الصواب فيما توصل إليه، وأنه يمكن التوصل إلى نتائج مُغايرة، من هنا تبدأ رحلة الإعداد لتأصيل مفهوم وأفكار جديدة.
- المجتمع المحيط: والمقصود بالمجتمع المحيط الدولة التي يعيش فيها الباحث أو البلدة أو المدينة، وكذلك قد يكون محيط العمل الذي يزاوله الباحث مصدرًا مُلهمًا لمشكلة معينة لدراستها.
- الإبداع الذهني: ويُعد ذلك من أرقى أنواع المصادر، فما يعرضه الباحث يتم تفنيده لأول مرَّة ولم يتطرق إليه أحد لا من قريب ولا بعيد.
الإجراء الثاني وضع عنوان للبحث أو الرسالة: وفي هذا الإجراء من إجراءات منهجية البحث في العلوم الإنسانية يبدأ البحث في بلورة الإشكالية في عنوان واضح المعالم، ويُعبر عن مشمول الموضوع، ومن المهم أن يكون مختصرًا ولا يصل إلى فقرة كبيرة، ففي ذلك خروج عن المألوف وعما قنَّنه خبراء البحث العلمي، وأيضًا من المهم أن يضع الباحث المتغير الرئيسي للمشكلة في العنوان.
الإجراء الثالث تدوين المقدمة: وذلك الإجراء في منهجية البحث في العلوم الإنسانية يتمثل في وضع مجموعة من الجُمل التي لا تُجاوز صفحة، يُعبر بها الباحث عن مشكلته التي يسوقها في متن البحث، موضحًا بالمقدمة الأهمية من الناحية العلمية والمجتمعية، وأسباب التوجه لدراسة الإشكالية، وهناك البعض ممن يُدرج آيات أو أحاديث أو أقاويل مهمة في المقدمة؛ لإثرائها وتعزيز متنها، ولكن من المهم أن يكون ما يتم إدراجه على صلة بمادة البحث العلمية، كما أن هناك البعض ممن يعرض طبيعة المنهج المستخدم في البحث في المقدمة، وهي وجهات نظر تختلف من باحث لآخر.
الإجراء الرابع صياغة فرضيات أو أسئلة البحث في العلوم الإنسانية: وذلك الجزء من أهم أجزاء منهجية البحث في العلوم الإنسانية، وهو يعني صياغة الحلول الأولية من وجهة النظر الخاصة بالباحث في سؤال أو أكثر، وهنا ينبغي التنويه بأن عدد الأسئلة التي يصوغها الباحث تتوقف على درجة تشعبه في إشكالية البحث وحجم تلك المشكلة، فكتابة بحث عن ظاهرة الطلاق غير ظاهرة مشكلات استقدام الخادمات، فالأولى تتطلب بحثًا مُستفيضًا وأرقامًا ودلالات متنوعة لحين الوصول للنتائج، لذا تحتاج لأسئلة بحث متعددة، أما الثانية فهي محدودة النطاق وتُمكن صياغتها في سؤال أو اثنين على أقصى تقدير.
الإجراء الخامس اختيار المنهج العلمي المناسب: والمنهج الذي يتناسب مع العلوم الإنسانية هو المنهج الوصفي لتحديد أبعاد واتجاهات المشكلة ووصفها بدقة، وكذلك يمكن أن يتم استخدام المنهج الكمي بنسبة أقل لتوضيح أرقام تُدعم آراء الباحث، وفي بعض العلوم الإنسانية يتم استخدام المنهج التاريخي أيضًا لتوضيح أبعاد المشكلة في فترة زمنية سابقة.
الإجراء السادس جمع معلومات ومادة البحث في العلوم الإنسانية: يحتاج الطالب لإتمام منهجية البحث في العلوم الإنسانية لجمع المعلومات، ويتم ذلك عن طريق الاستعانة بالمصادر السابقة والكتب وشبكة الإنترنت والمجلات، وكل مُصدر يمكن أن يسهم في التعرف على طبيعة مشكلة البحث ومسبباتها، غير أنه ينبغي أن يتم توثيق جميع ما تتم الاستعانة به في الأبحاث العلمية؛ حتى لا يُعتبر ذلك سرقة فكرية من الآخرين، ويصبح البحث مُنتحلًا، وجدير بالذكر أن الاقتباس وتدوين المصادر يكون في حدود ونسب معينة تحددها جهة الدراسة.
الإجراء السابع اختيار أداة الدراسة في العلوم الإنسانية: أدوات الدراسة وسائل مهمة لجمع المعلومات من الأفراد، ومن أكثر الأدوات المستخدمة في العلوم الإنسانية الاستبيان والملاحظات والاختبارات.
الإجراء الثامن كتابة المتن من أبواب وفصول ومباحث: وهو الإجراء الاستكمالي للبحث وأكبر الأجزاء في منهجية البحث في العلوم الإنسانية، والهدف هو العرض التفصيلي للمشكلة بما ينتج عنه في النهاية نتائج دقيقة.
الإجراء التاسع تدوين نتائج البحث: وتُعد نتائج البحث هي المرحلة الأهم، فهي تمثل الخلاصة، ومن أهم الأجزاء التي يقرؤها ويطالعها الباحثون والمُقيمون المتخصصون، لذا وجب أن تكون مختصرة ومعبرة بعيدًا عن الإطالة.
الإجراء العاشر اقتراح التوصيات في البحث: والتوصيات عبارة عن حلول لمشكلة البحث بعد الانتهاء من الدراسة، فعلى سبيل المثال في حالة التعرض لإشكالية انتشار الطلاق فمن الممكن أن يقترح الباحث التوصيات التي يمكن تنفيذها على أرض الواقع للحد من تلك المشكلة.
الإجراء الحادي عشر الخاتمة والملحقات: ويتشابه ذلك الجزء في منهجية البحث في العلوم الإنسانية مع المقدمة، غير أنه يأتي بعد انتهاء الدراسة، ويجب أن يوضح فيه الباحث للقارئ كيف أن الطريق كان طويلًا لحين الانتهاء من البحث، وكذلك مدى ما تسهم به التوصيات من علاج للإشكالية، وبعد ذلك يتم إرفاق الجداول أو الرسومات أو الصور الخاصة بالبحث كملحقات.
ما المشكلات في عرض ما يرتبط بمفهوم منهجية البحث في العلوم الإنسانية؟
هناك البعض ممن يعرضون منهجية البحث في العلوم الإنسانية على أنها المناهج التي يتم شرح الإشكالية من خلالها مُتمثلًا ذلك في المنهج الوصفي والتاريخي والتجريبي... ومن ثم يعرضون المنهجية من خلال شرح تلك المناهج، وذلك المفهوم ومع احترامنا للجميع يشوبه القصور، حيث أن مفهوم المنهجية يختلف بالكلية عن المناهج، فالمنهجية هو عدَّة طرق وأساليب ومراحل منظمة، وهي مفهوم أعم وأشمل من المناهج، وعلاقتهما علاقة الكل بالجزء، لذا لا ينبغي سوق الاثنين والخلط فيما بينهما، فلكل حدث حديث، وبتعبير مُختصر فإن المناهج هي جزء من المنهجية كما أوضحنا في خطوات منهجية البحث في العلوم الإنسانية بالفقرات السابقة.
وفي الخاتمة: نتمنَّى أن نكون قد عرضنا كل ما يرتبط بمنهجية البحث في العلوم الإنسانية بالتفصيل.
يقدم موقع مبتعث للدراسات والاستشارات الاكاديمية العديد من الخدمات في رسائل الماجستير والدكتوراة لطلبة الدراسات العليا .. لطلب اي من هذه الخدمات