مشكلة البحث وشروطها
مشكلة البحث عبارة عن المحور الأساسي الذي يدور حوله البحث، والمشكلة على الوجه المُطلق تعني الأمر غير المعهود، والذي يصعب حله؛ من خلال المعرفة الحالية، وتوجد عوائق يجب تبيانها في ظل تردد وحيرة وشك، والهدف هو الوصول للحلول المنطقية، ومن مترادفات لفظة "مشكلة" كل من: (مُعضلة، ومأزق، ولُغز، وورطة، وعقبة، وعائق، وعُقدة، وصعوبة)، والجمع: "مشكلات" أو "مشاكل"، والمضاد: "سهولة" أو "انفراج" أو "ارتياح" أو "حل"، ومن أبرز الكلمات ذات الصلة: (مُشكل، وأشكل، واستشكل، واستشكال، وإشكالية)، ما أعظمك من لغة! إنها اللغة العربية التي لا يُوجد بها أي مُشكلة، ويُمكن اشتقاق كثير من المفردات من أية لفظة؛ فهي لغة القرآن؛ ولغة أهل الجنة، أحسن الله ختامنا جميعًا... معذرة في حالة تخطِّي المضمون، والتطرق نحو تمجيد لغتنا الجميلة، ولكن سياق النص هو ما حفَّزني على ذلك، ولنعد سريعًا؛ سنقدم من خلال فقرات المقال أطروحات مُتبانية فيما يتعلق بمشكلة البحث وشروطها.
ما مشكلة البحث؟
- مشكلة البحث تُعبر عن الظاهرة أو الموضوع العلمي الذي يتبناه الباحث، ولا بد أن يكون ذلك من منطلق خدمة البحث العلمي؛ فهناك صعوبة في تطبيق نظرية معينة أو يوجد بها أوجه قصور؛ فتلك مشكلة، وهناك سلبيات اجتماعية تؤرق أوداج المجتمع، وتجعله يئنُّ يُعاني الأمرَّين، مثل مشكلة تعاطي المخدرات، والأمية، والأمراض النفسية بمختلف تصنيفاتها، والتسرُّب الطلابي... إلخ.
- وضعت قواعد البحث العلمي من أجل التعرف على جوانب المشاكل، وذلك في ظل منهج، وخطوات مرتبة، بهدف التوصل لنتائج يقبلها العقل والمنطق، ومقرونة بإثباتات واضحة، وعندئذٍ يأتي دور الباحث في وضع حلول فعالة، ومن المهم أن تكون سهلة من حيث التطبيق، ولم يتطرق إليها أحد من قبل.
ما مصادر الحصول على مشكلة البحث؟
الدراسة الجامعية:
تُعد الدراسة الجامعية في تخصص معين أحد المصادر الهامة لمشكلة البحث، ويُمكن أن يتحصل منها على الباحث على مشكلته العلمية، والتي سوف يفصلها من خلال البحث، فعلى سبيل المثال في حالة كون الطالب دارسًا في كلية الخدمة الاجتماعية، أو ما يرتبط بذلك التخصص على اختلاف المسميات التي تطلق في الجامعات؛ فبالتأكيد أن الطالب يدرس مجموعة من المناهج التي يتوافر بها كثير من المشاكل الاجتماعية، ولربما أطلق الباحث العنان لنفسه، ووجد مشكلة يُمكن أن يسهم في حلها؛ من خلال معرفته بكثير من النظريات، وإمكانية تحقيق الترابط، وتفصيل دراسة جديدة من نوعها، أو مشكلة بحث تطرق إليها البعض، ولكن لم يتم التوصل لما هو فعال، أو ما يُمكن الاعتماد عليه في الجانب التطبيقي.
المؤلفات السابقة:
تُعتبر المؤلفات السابقة التي يُطالعها الباحث العلمي في ميدان تخصصه من بين المصادر، والتي يُمكن من خلالها صياغة مشكلة البحث، ولكل علم آباؤه ومُحدثوه، ويُمكن أن يسير الباحث على الدرب مع التجديد، وتحقيق الرؤى الخاصة من منظور عام، ولكن ينبغي أن يكون ذلك بعيدًا عن النسخ والانتحال كُليةً، وخاصة في ظل وجود كثير من التقنيات التكنولوجية، والتي يُمكن عن طريقها الكشف عن الرسائل العلمية المزورة، لذا وجب على الباحث أن يكون فطنًا لذلك، ويجتهد بعيدًا عن موطن الشبهات، وفي حدود المعايير المتعلقة بالاقتباس العلمي، والتي تحددها كل جامعة.
تجارب الحياة:
إن تجارب الحياة بشكل عام مليئة بالإشكاليات العلمية، وللباحث العلمي وجهة نظر مختلفة عن الأشخاص العاديين، ويُمكن أن يكون ذلك مثار اهتمام، ومن ثم التطرق لمشكلة بحث جديدة، ويُعد ذلك النوع من المصادر هو أرقي الأنواع؛ نظرًا لتطلبه جُهدًا مُضاعفًا من جانب الباحث العلمي.
ملحوظة: هناك كثير من الجامعات التي تطرح أكثر من مشكلة أو موضوع علمي على الباحث، وعليه أن يختار منها ما يراه مناسبًا، وجهات جامعية أخرى تترك للباحث حرية اختيار مشكلة البحث، والبعض الآخر يتركون اختيار مشكلة البحث لمشرف الرسالة بالاتفاق مع الباحث.
ما شروط مشكلة البحث؟
هناك مجموعة من الشروط الهامة التي يجب أن تتوافر في مشكلة البحث، وسوف نبينها فيما يلي:
العوامل الشخصية:
لكل شخص وجهة نظر، ويختلف ذلك فيما بين فرد وآخر، لذا فإن العوامل الشخصية من أبرز شروط مشكلة البحث، فلكل شخص موضوع أو مضمار يفضل أن يفصله في الرسالة، فهو يرى من وجهة نظره أنه سوف يُبدع في ذلك، ومن المهم أن يرتبط ذلك بتخصص الباحث، فعلى سبيل المثال لا يُمكن لشخص درس في كلية التجارة أن يشعر بمشكلة بحث طبية، ويجاهد لحلها؛ كون المقومات لا تتوافر لديه، والأحرى هو تبني تلك القضية من جانب باحث طبي، والعكس صحيح، فلا يُمكن لمن درس الطب أن يُعالج مشكلة تجارية، أو ما يتعلق بها من محاسبة وماليات.... إلخ، وتنطبق القاعدة السابقة على مختلف التخصصات.
العوامل المجتمعية:
هناك عوامل مُجتمعية حاكمة في طرح مشكلة البحث، وعلى الرغم من توافر الحرية للباحثين العلميين، وعدم وجود قيود عليهم في المهام المنوطه بهم فيما يتعلق بالبحث العلمي، فإن الحرية لها حدود؛ فلا ينبغي أن يسوق الباحث أمورًا تُثير بلبلة مجتمعية، أو تحدث آثارًا وجروحًا نتيجة للتشاحن في التفسير، والأحرى هو تبني القضايا التي لا تمس الشرائع السماوية بأي سلبيات، وكذلك في ضوء العادات والتقاليد والأخلاقيات المجتمعية التي اعتدنا عليها، ولتوضيح ذلك إلى ذهن القارئ؛ لا يجوز أن تتعلق مشكلة البحث العلمي بوجود الله من عدمه مثلًا، وما دعانا لسوق ذلك المثل؛ انتشار كثير من دُعاة العلم في الجوانب الفلسفية، والذين يحاولون جهارًا عيانًا بث سمومهم في العسل؛ من خلال أبحاث منمقة في هيئتها الخارجية، وعارية عن الصحة في مضامينها، وبالمثل باقي التخصصات العلمية، وذلك من بين شروط مشكلة البحث الهامة.
العوامل الماديــــــة:
من بين شروط مشكلة البحث مُناسبتها لما يتوافر لدى الباحث من عباءة مالية، أو على حسب ما تقدمه جهات الدراسة الجامعية في بعض الدول من إعانات مادية للباحثين، وبناءً على ذلك تصبح العوامل المادية حاكمة، فعلى سبيل المثال لا يُمكن إجراء رسالة تتضمن مشكلة بحثية تتحدث عن استكشاف طبيعة الغلاف الجوي لكوكب المريخ؛ فذلك يتطلب إمكانيات مادية وتقنية هائلة؛ بسم الله الرحمن الرحيم: "لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها" صدق الله العظيم [البقرة:286]، وعلى الباحث أن يُوائم بين ما يرغب فيه من موضوع للرسالة العلمية، وما يوجد في حوزته من موارد مادية.
ما خطوات عرض مشكلة البحث؟
تتمثل خطوات عرض مشكلة البحث فيما يلي:
العنوان: يجب أن يسوق الباحث العنوان المتعلق بمشكلة البحث بأسلوب مُوجز، ويجب أن يكون خاليًا من أي خطأ إملائي أو نحوي، ومن المهم أن يعكس العنوان مشكلة البحث وبكل دقة، وفي حالة وجود أفكار ثانوية فإن محلها التفصيلات الداخلية للبحث، وخاصة جزء الإطار النظري أو المحتوى.
المقدمة: ثاني إجراءات عرض مشكلة البحث يتمثل في المقدمة، التي يجب أن تكون مختصرة دون إطناب، وتُعبر عن المفاهيم العامة لمشكلة البحث والأهمية من ذلك، وهناك البعض ممن يضمنون المقدمة بالآيات القرآنية أو أحاديث من السنة أو أقوال لمشهورين، ويُعد ذلك من الأمور المستحبة.
ملحوظة: هناك البعض ممن يضعون بند أهمية البحث بشكل مستقبل، وآخرون يضمنونه للمقدمة، ومن المفضل أن تتضمنه المقدمة؛ حتى لا يكون هناك تكرار في عرض المحتوى؛ نظرًا لان طبيعة المقدمة يجب أن تحتوي على الأهمية.
حدود البحث: من بين إجراءات تفصيل مشكلة البحث وضع حدود، ويتمثل ذلك في حدود المكان والزمان، وحجم عينة الدراسة وطريقة اختيارها.
إشكالية البحث: وهو عبارة عن توضيح للقضية التي يُثيرها الباحث بين جنبات الرسالة العلمية، ويكون ذلك بأسلوب مُختصر.
أهداف البحث: الأهداف من بين العناصر الأساسية لتفصيل مشكلة البحث؛ ومن دونها لن يستقيم الأمر، والهدف يعبر عن المقصد الذي يحاول الباحث أن يصل إليه.
صلب البحث أو المحتوى: يُعبر صلب البحث أو المحتوى عن الجزء الذي يوجد فيه شروحات الدراسة (الأبواب والفصول والمباحث)، ويجب أن يتم ذلك بشكل مُرتَّب من حيث الأفكار، والابتعاد عن الحشو والتكرار.
النتائج: النتائج هي مرحلة فاصلة في تفنيد مشكلة البحث، ويجب أن تكون على صلة ومرتبطة بشكل كُلي بالمحتوى العام، ومن المهم أن تكون موثقة بالبراهين، والتي يستقيها الباحث سواء من خلال النظريات والدراسات السابقة، أو عن طريق التحليل الإحصائي للبيانات المتعلقة بعينة الدراسة.
المقترحات أو التوصيات: وهي المرحلة ما قبل الأخيرة من توضيح مشكلة البحث، وفيها الحلول التي تنبع من فكر الباحث وفهمه للموضوع بشكل كلي.
خاتمة البحث: وهي الجزء الأخير من الرسالة، وفيها يعرض الباحث المشكلة بشكل عام، ويضمنها بأبرز وأهم النتائج والتوصيات، ويجب أن يتسم ذلك بأسلوب مهذب ومتواضع.
وأخيرًا نكون قد فصَّلنا وبيَّنا قدر المستطاع مشكلة البحث وشروطها؛ ونرجو أن تكون الأمور قد اتضحت، وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير، نُحبكم في الله.
يقدم موقع مبتعث للدراسات والاستشارات الاكاديمية العديد من الخدمات في رسائل الماجستير والدكتوراة لطلبة الدراسات العليا .. لطلب اي من هذه الخدمات