مناهج البحث العلمي وطرق إعداد البحث
يتطلب إعداد البحث العلمي معرفةً وإلمامًا تامَّين بأكثر من منهج من مناهج البحث العلمي، وكذلك طريقة مُحددة المعالم لإعداد البحث، أو ما يسميه البعض بمصطلح أكاديمي، وهو "منهجية البحث"، التي اختلف الخبراء في تعريفها؛ فهناك من أشار إلى أن منهجية البحث عبارة عن علم دراسة وتأصيل المناهج العلمية بوجه عام، وآخرون أوضحوا أن المنهجية تتمثل في الإجراءات المستخدمة في كتابة البحث العلمي من أدوات وأساليب وغيرها من الآليات المدروسة... إلخ، وفي ضوء التعريف الأخير يمكن أن نطلق على منهجية البحث العلمي اللائحة التنفيذية، وبالطبع يختلف ذلك عن مفهوم المنهج العلمي، والأخير عبارة عن عموميات لطريقة تفكير معينة، ومن خلال ما سبق نستنتج أن مفهوم منهجية البحث يشمل مناهج البحث, ويتناول نظرة أوسع وأشمل، وسنفرد فقرات المقال للحديث عن قسمين، والقسم الأول سيتناول مناهج البحث العلمي، أما القسم الثاني فسنفصل فيه طرق إعداد البحث.
مناهج البحث العلمي:
وضعت كثير من التصنيفات الأساسية والفرعية لمناهج البحث العلمي، وجميعها ذات علاقة، والشائع هو استخدام الباحث لأكثر من منهج؛ كي يخرج البحث بالقيمة الإيجابية المرجوة، وسنوضح ونفصل أهم هذه المناهج:
- المنهج الوصفي: يأتي المنهج الوصفي في طليعة مناهج البحث العلمي المستخدمة لتفصيل الدراسات البحثية، ومن النادر أن نجد بحثًا يخلو من المنهج الوصفي؛ سواء استُخدم بشكل أصيل، أو بالتداخل والتشارك مع منهج علمي آخر، ويحضرني في ذلك سؤال شهير متداول بين بني البشر، وهو: ماذا رأيت؟ أو ماذا شاهدت؟ والإجابة ستتمثل في وصف لأحداث، وبالمثل فإن المنهج الوصفي في صورته العلمية يتمثل في مشاهدة ظاهرة على صورتها بالطبيعة، ومن ثم استحضار الحواس الإنسانية، والعمل على وضع إطار وصفي لها، ثم تجميع المعلومات حولها، والتعرف على أسباب الحدوث، وفي ضوء ذلك يضع الباحث نتائجه.
- المنهج التحليلي: يُعتبر البعض المنهج التحليل أحد مناهج البحث العلمي الفرعية، وهو بمثابة مُكمل هام لغيره من المناهج، وفي ذلك نجد المنهج الوصفي التحليلي، والمنهج الاستقرائي التحليلي، والمنهج المقارن التحليلي... إلخ، ويتألف ذلك المنهج من عناصر ثلاثة، وهي تفكيك المشكلة لجزئيات، ثم التقويم والنقد لكل جزء بصفة مستقلة، وفي النهاية التركيب والاستنتاج العلمي.
- المنهج التجريبي: يُعد المنهج التجريبي من أكثر مناهج البحث العلمي منطقية، فهو يعتمد بصفة أصيلة على الخروج بنتائج رقمية، تساعد في دعم توجه معين، وهو أقل أنواع المناهج المنتقدة من جانب الخبراء، ويتناسب ذلك مع تنفيذ الأبحاث الطبيعية مثل الرياضيات، والكيمياء، والفلك، والفيزياء.. إلخ، ويتضمن إجراءات متنوعة؛ حيث يبدأ الباحث بملاحظة الظاهرة، واستخلاص المتغيرات التي تؤثر فيها، وصياغة فرضيات البحث، ثم الانتقال إلى مرحلة التجريب العلمي، والتعرف على تأثير المتغيرات المستقلة في التابعة، ونهاية يتم وضع استنتاجات البحث.
- المنهج المقارن: ويستخدم الباحثون المنهج المقارن في المجال القانوني والشرعي والاجتماعي بكثرة، وهو يهدف إلى عقد مقارنة موضوعية بين ظاهرتين في مكانين مختلفين، وعن طريقة يمكن مطالعة ما توصل إليه الآخرون من معارف في دول أخرى، وتطويع ذلك، وبما يناسب الظروف المحلية.
- المنهج التاريخي (الاستدلالي): تحمل المؤلفات والكتب الدراسية السابق طرحها كثير من المعلومات حول الموضوعات العلمية؛ فهي تمثل ذخيرة مهمة للباحثين، وبها يستطيع الباحث أن يجد ضالته، ويستخرج الدرر على حسب الموضوع المثار، ومن ثم يستبعد المعلومات الخاطئة، وينظم المعلومات الصحيحة، ويطوعها لخدمة بحثه، وعماد المنهج التاريخي (الاستدلالي) قيام الباحث بالنقد المعلوماتي، وتكوين صورة نهائية تحل إشكالية البحث، وذلك في ضوء الأسئلة أو الفرضيات التي يضعها في بداية البحث أو الرسالة العلمية.
- المنهج الاستقرائي: يحتل المنهج الاستقرائي مكانة كبيرة بين مناهج البحث العلمي، فهو منهج مُؤصل منذ القدم، وفي طليعة من استخدمه كل من الفيلسوفين "أرسطو" و"أفلاطون"، وكذلك كثير من علماء العرب والمسلمين، وفي حقب زمنية مختلفة، وهو منهج ذو أهمية كبيرة لدراسة أنواع مختلفة من الأبحاث سواء الاجتماعية أو الطبيعية، وهو بمثابة استدلال يبدأ من دراسة الجزء ثم التعميم على الكل، ويعتمد على الشك والملاحظة الذهنية، واستخدام المنطق، ومن أنواعه كل من: المنهج الاستقرائي التام، والمنهج الاستقرائي الناقص، وللباحث أن يختار طريقة الاستقراء المناسبة لموضوعه البحثي.
- مناهج علمية أخرى: وضع علماء الأبحاث عديدًا من مناهج البحث العلمي الأخرى، تضاف إلى ما سبق تفصيله مثل: المنهج الاستنباطي، والذي يعد بمثابة الوجه المعاكس للمنهج الاستقرائي، ومنهج المسح الاجتماعي، ومنهج دراسة الحالة الواحدة، والمنهج الفلسفي، والمنهج التركيبي، والمنهج الموضوعي.
طرق إعداد البحث:
إن ما سبق ذكره في الجزء السابق بمثابة طرق للتفكير، وخطوات عريضة يمكن أن يلتمس منها الباحث الطريقة المثالية التي سيتناول البحث من خلالها، ولكن يتبقى طريقة التنفيذ الفعلية، وتحويل ذلك إلى هيئة كتابية مُنضبطة، وفيما يلي سنوضح طريقة ذلك:
- العنوان: عنوان البحث أو الرسالة بمثابة توضيح لما يحتوي عليه موضوع البحث، ويكتب في عدد قليل من الكلمات، لا تتجاوز ستين حرفًا، على أن تتضمن متغيرات الدراسة، وعلى الباحث أن يختار الألفاظ الواضحة، مع الابتعاد عن الغريب والمبهم، إلا إذا اقتضت الدراسة تضمين مفاهيم غير دارجة، وهنا يجب أن يضع الباحث تعريفًا إجرائيًّا لها.
- المقدمة: والمقدمة البحثية توضيح لماهية موضوع البحث بصورة عمومية، وتكتب في فقرات، ودون أن يكون بها أي توثيقات، وحجم المقدمة لا يقل عن نصف صفحة، ولا يزيد على خمس صفحات، ويجب أن يكون هناك تناغم بين حجم البحث أو الرسالة، وحجم المقدمة العلمية.
- صياغة الإشكالية: وهي عبارة عن فقرة أو اثنتين تتضمن جوانب المشكلة بشكل مختصر، كي يستطيع القراء فهم المحاور الأساسية لموضوع الدراسة.
- حدود الدراسة: وتنقسم إلى أربعة حدود، وهي: حدود الموضوع، وحدود الزمان، وحدود المكان، ومفردات عينة البحث.
- مصطلحات البحث: وفي ذلك الجزء يضع الباحث تعريفات واضحة لغوية أو إجرائية لمتغيرات أو كلمات البحث المتكررة في المتن.
- المنهج المستخدم: ويوضح الباحث في هذا الجزء ما يستخدمه من مناهج؛ مثل: الوصفي أو التجريبي، أو الاستدلالي، أو الاستقرائي... إلخ، مع توضيح سبب اختياره لمناهج معينة من مناهج البحث العلمي دون غيرها.
- الأسئلة والفرضيات: تمثل الأسئلة والفرضيات عصب البحث العلمي، وجميع الأجزاء التي تليهما ترتبط بهما بصورة مباشرة، وهي تمثل التوقعات المحتملة؛ لمعالجة قضية أو موضوع البحث.
- الإطار النظري: يتألف الإطار النظري لأي بحث علمي من مجموعة الأبواب، وما يتفرع منها من فصول، وبالتبعية ما تنقسم إليه الفصول لمباحث، ثم بالمثل مطالب، ويمكن أن يضاف إلى ذلك جزء المؤلفات السابقة في فصل منفصل حال توافر ذلك.
- النتائج والتوصيات والمقترحات: بعد تدوين الإطار النظري، وما يتضمنه من شروح وتفصيلات، يستخلص الباحث نتائج البحث، ثم يلي ذلك وضع توصيات مثمرة، ثم مقترحات لموضوعات في نفس تخصص البحث، ويدعو الباحث غيره لتفصيلها.
- خاتمة البحث: ينهي الدارس أو الباحث رسالته بخاتمة البحث، والتي تشمل استعراضًا لمفهوم المشكلة بصورة عامة، وأبرز جهود الباحث، وخلاصة البحث.
- المراجع والمصادر البحثية: يرتب الباحث جميع أنواع المراجع والمصادر البحثية التي طالعها، واقتبس منها، ويكون ذلك في قائمة.
وأخيرًا، وبعد أن فصَّلنا مناهج البحث العلمي وطرق إعداد البحث؛ ندعو الخالق العظيم أن يحفظ بلادنا العربية والإسلامية من كل سوء.
يقدم موقع مبتعث للدراسات والاستشارات الاكاديمية العديد من الخدمات في رسائل الماجستير والدكتوراة لطلبة الدراسات العليا .. لطلب اي من هذه الخدمات