بحث عن الطرائق العلمية
هناك أنواع مختلفة من الطرائق العلمية، وكلمة "طرائق" جمع، والمفرد "طريقة"، والمقصود بذلك من الناحية الإجرائية مناهج أو أساليب البحث العلمي، والتي بدأ بنو البشر في استخدامها منذ فجر التاريخ؛ فنرى النَّظم الحضاري في علوم لا حصر لها عند الفراعنة، والبابليين، والآشوريين، والفينيقيين، وبلاد بونت، والمايا، ولم يصلنا إلا القليل عن الوسائل العلمية التي استخدمتها شعوب تلك الحضارات العتيقة، وفي الألفية التي سبقت ميلاد السيد المسيح ازدهرت الطرائق العلمية، وظهر أكثر من منهج فكري تبنَّاه فلاسفة اليونان، ومن بين ذلك المناهج الرياضية التي وضع قواعدها إقليدس وفيثاغورس، والمنهج المنطقي لأرسطو، والمنهج الجدلي لأفلاطون، وتصوُّرات سقراط، وتطوَّرت الأساليب بمرور الزمن، وكان الهدف من ذلك وضع قواعد منظمة لدراسة الظواهر والقضايا العلمية، والوصول لنظريات، أو وضع الحلول المنهجية للمشاكل الاجتماعية.
عناصر المقال:
- معلومات محورية حـــــول الطرائق العلمية.
- ما أبرز أنواع الطرائق العلمية؟
- ما الخطوات الأساسية في الطرائق العلمية.
معلومات محورية حول الطرائق العلمية:
-
مفهوم البحث العلمي: البحث العلمي عبارة عن أسلوب مُرتَّب ومُنظَّم لبلوغ الحقائق، ووضع النتائج، ولا يكفي لذلك تجميع المعلومات والبيانات، وينبغي القيام بعملية تمعُّن وتفسير في ظل إطار منطقي نقدي، وذلك ما يميز التفكير العلمي.
- خطأ شائع: هناك خطأ شائع بين بعض الباحثين؛ كون الطرائق العلمية متعلقة بالعلوم الطبيعية، ويصطلحون على ذلك باسم "التجربة" كاسمٍ آخر للطريقة العلمية، أو المنهج العلمي، والصحيح هو أن التجربة قاسم مشترك بين العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية، فهي صورة للعمل العلمي على الوجه العام، ويستهدف الباحث من ذلك التوصل للحقيقة، وهو ما يتطلب وقتًا وجُهدًا ودراسة وافية، من خلال القيام باختبارات مُدقَّقة، وذلك قبل أن يعترف الباحث بقبول النظرية، أو القانون، أو المُسلَّمة، ولا يكفي لذلك البداهة والحدس الذهني، فلربما يكون الباحث على خطأ، والبرهنة والدلالة هما المعيار في الوثوق والقبول.
- النشأة النظرية للطرائق العلمية: إن الطرائق العلمية لها بُعد تاريخي كما ذكرنا في الفقرة الأولى، أما بالنسبة للقواعد النظرية لطرق البحث أو المنهج العلمي بصورتها الحديثة، فُوضعت في القرن السابع عشر على يد كوكبة من علماء الغرب، ومن أبرزهم هارسل، ورسل، وفرنسيس بيكون، وويليام توماس، وديكارت، وبعد أن استفاض كل عالم ووضع أفكار وآراء خاصة به، وفي ظل ذلك ظهرت الحاجة لعلم عام للطرائق العلمية، أو ما يُعرف باسم "علم المناهج Metodolgy"، حيث قام كل من جون ستيورات ميل ونجل في القرن التاسع عشر والعشرين بإصدار كُتُب تحتوي على الأُطُر المنظمة للبحوث العلمية، ومن أبرزها كتاب "المنطق" لميل 1898م، و"بناء العلم" لنجل 1961م.
- الاستدلال العقلي: صنَّف العلماء أنواع الاستدلال العقلي إلى أسلوبين، وهما: الأسلوب الاستقرائي Deductive، ويبدأ فيه الباحث من الجُزئيات، وصولًا للتعميم على العموميات، والأسلوب الاستنباطي Inductive، ويعني البدء بنظرية، أو مُسلَّمة، ومِن ثَمَّ التطبيق على الجُزئيات، وبالطبع تختلف الإجراءات التنفيذية المرتبطة بذلك حسب نوعية البحث العلمي، والغاية منه.
مميزات الطرائق العلمية وخصائصها؟
- التفسير المنطقي: يعتبر العلماء أن هناك تفسيرًا منطقيًّا لجميع الظواهر والقضايا، والطريقة العلمية تفترض أن الكون مُنظَّم، ولا تُوجد نتيجة (متغير تابع) من دون سبب (متغير مستقل)، والتفكير البدائي لدى البشر لم يستطع أن يفسر مُجريات الأحداث على الوجه الأفضل، وتغيَّرت النظرة بمرور الوقت من خلال البحث العلمي.
- الدلالة العلمية: ترفض الطرائق العلمية فكرة الثقة دون وجود دليل أو قرينة مقبولة، وقولنا مقبولة يعكس العامل الزماني والمكاني والإجرائي، فلربما تتغير النظرية في المستقل نتيجة لتغير العوامل السابق ذكرها، وعلى سبيل قام العالم جاليليو في عام 1589م ببحث حول سرعة سقوط الأجسام من مكان مرتفع، حيث ألقى عديدًا من الكُرات ذات الأوزان المُتباينة من أعلى برج بيزا المائل، ويعكس ذلك عدم اقتناع جاليليو بما طرحه سابقوه من أقوال تقضي بأن الأجسام الأكثر ثقلًا ستصل للأرض سريعًا عن الأخفِّ وزنًا، وقام جاليليو بإجراء التجربة بهدف التأكد وتقديم الدليل العلمي، ومن خلال الملاحظة المنتظمة المباشرة ظهر بلوغ الأجسام في الوقت نفسه مهما كان وزنها، مع عدم إهمال مُقاومة الهواء.
- وضع النتائج: إن البحث دون نتيجة يُصبح دون جدوى، ومن المهم أن تظهر النتائج التي يتوصَّل إليها الباحث مُتماشية مع التجربة العلمية في أحد المجالات الدراسية المرتبطة بالعلوم الطبيعية، أو نتائج منطقية عقلية فيما يخص الدراسات الإنسانية والاجتماعية.
ما أبرز أنواع الطرائق العلمية؟
وضع العلماء طرائق علمية لا حصر لها، وتم تصنيفها وفقًا لعديد من التصنيفات، ومن بينها تصنيف جود وسكيتس، وتصنيف هويتني، وتصنيف ماركيز، وسنوضح فيما يلي أهم أنواع الطرائق العلمية المُستخدمة من جانب الباحثين:
- الطريقة الوصفية: وهي من أهم أنواع الطرائق العلمية، وتعتمد على دراسة الظواهر في هيئتها الواقعية، وظهرت تلك الطريقة على يد "فريدريك لوبلاي"؛ نظرًا لحاجة الدراسات الاجتماعية لوسيلة إجرائية تناسبها، لشيوع البيانات الكيفية بها، وعدم استطاعة طرق التجريب توضيح الظاهرة الاجتماعية كما ينبغي أن يكون.
- الطريقة التاريخية: يُعد العالم والفيلسوف "إرنست برنهام" بمثابة الأب الروحي للطريقة التاريخية في البحث، وهي تتطلب التعامل مع المعلومات والبيانات النصية السابق تدوينها بطريقة منهجية، وعن طريق قيام البحث بعملية نقد موضوعي بنَّاء، والتوصُّل لنتائج يقبلها العقل في النهاية.
- الطريقة التجريبية: تُعتبر الطريقة التجريبية هي الأفضل بين أنواع الطرائق العلمية، وتساعد على بلوغ الباحث لنتائج في أعلى درجات القبول، وذلك عن طريق للملاحظة والتجربة والمُعاينة الدقيقة، وواضع الأسس النظرية للطريقة التجريبية هو العالم "فرانسيس بيكون"، وطوَّر تلك الطريقة في مرحلة لاحقة العالم "ديكارت".
ما الخطوات الأساسية في الطرائق العلمية؟
تتباين الطرائق العلمية من حيث التفاصيل، ولكن تُوجد خطوات أساسية عامة تشترك فيها، وسنلخصها فيما يلي:
تــــحديد المشكلة:
يجب على الباحث في البداية أن يحدد مشكلة البحث أو الدراسة، وعمل الباحث يشابه عمل الشرطي الذي يُسند إليه التَّحرِّي في جريمة ما، ومِن ثَمَّ يحدد الجريمة، وأسباب الوفاة، ويسعى حثيثًا لإيجاد الأدلة والتوصُّل للجاني.
صياغة الفرضيات أو أسئلة البحث:
وتلك الخطوة من أبرز خطوات الطرائق العلمية، وسنوضح فيما يلي طبيعة كل من الفرضيات وأسئلة البحث:
- الفـــرضيات: تُعرف الفرضيات Hypothesis"" على أنها توقُّعات أو تخمينات يُدوِّنها الباحث لحل مشكلة الدراسة، أو التَّوصُّل للنظرية العامة، والفرضيات أحد أطوار النظرية، ولكن بشكل غير مؤكد، وتتطلب تفسيرات منطقية، أو تجارب عملية، والفرضية تُصاغ في شكل علاقة بصورة خبرية بين متغير مستقل (المتغير المُؤثِّر)، وآخر تابع (المتغير المُؤَثَّر عليه)، وتختلف طريقة اختبار الفرضيات، سواء عن طريق المعمل في حالة كون البحث تجريبيًّا، أو من خلال التحليل الإحصائي الوصفي أو الكمِّي في حالة كون الدراسة إنسانية، أو اجتماعية.
- أسئلة البحث: أسئلة البحث "Research questions" ما هي إلا صورة أخرى للفرضيات، ولكن في صورة استفهامية، وتحتوي على متغيرين بحثيين أو أقل، وقد تكون الأسئلة الاستفهامية وسيلة مثالية لدراسة بعض البحوث الوصفية التي تتطلب الاستنتاجات العقلية دون حاجة لفرضيات، غير أن ذلك يتوقف على نوعية البحث العلمي ذاته، فهناك بحوث تشمل الفرضيات والأسئلة في الوقت نفسه، والمهم في ذلك هو توصُّل الباحث للنتائج العلمية المقبولة، والمُبرهنة قدر المُستطاع.
- اقتراح الباحث لفرضيات أو أسئلة يُبنى على معلومات أوَّلية، أو تفكير ذهني محض، أو دراسات نظرية سابقة.
تجميع المعلومات والبيانات:
يلي عملية تحديد المشكلة الدراسية قيام الباحث بنشاط مُكثَّف في جمع المعلومات والبيانات، وتفحُّصها بأسلوب دقيق، ويجب أن يستبعد الباحث المعلومات غير المهمة، أو التي لا ترتبط بالمشكلة، وهناك المصادر التاريخية التي تتطلَّبها بعض البحوث، مثل أمهات الكتاب (الأصول)، والمراجع والدوريات والمقالات والمؤتمرات العلمية والقواميسن والمخطوطات، كما يمكن أن تجمع المعلومات عن طريق اختيار عيِّنة بحث، واختيار أداة دراسة مناسبة، مثل الاستبيان، أو بطاقة الملاحظة، أو الاختبارات، وغيرها.
اختبار الفرضيات:
بعد انتهاء الباحث من مرحلة جمع البيانات تأتي خطوة مهمة من خطوات الطرائق العلمية، وتتمثَّل في التأكُّد من صحَّة الفرضيات المُصاغة سلفًا، ويتم الاختبار حسب هدف الباحث من الدراسة، ونوعية:
- التــــجربة العملية: وفي تلك الحالة يقوم الباحث بإجراء التجربة؛ لمعرفة أثر المتغير المستقل على التابع، أو اكتشاف متغيرات أخرى مُتداخلة، بمعنى تتأثَّر بالمتغير المستقل، وتؤثر في حدوث المتغير التابع، وللباحث أن يغير من هيئة المتغير التابع؛ للتعرف بدقة على النسب، وبالطبع تُوجد تقنيات في غاية الحداثة بتلك الفترة، وتساعد الباحثين فيما يفصلونه من دراسات تجريبية.
- الاختبار الإحصائي: تظهر أهمية الاختبارات الإحصائية في البحوث الوصفية بشكل مباشر، وكذا في البحوث التجريبية بشكل غير مباشر في حالة رغبة الباحث في تنظيم التجارب، والبيانات التي تنتج عنها، ومن أبرز المعادلات التي يمكن استخدامها على سبيل المثال لا الحصر: معامل ارتباط بيرسون للقيم غير المُوزَّعة بشكل طبيعي، ومعامل الانحدار الذي يُستخدم في حساب العلاقة بين المتغيرات بالنسبة للبحوث التي تُوزَّع فيها القيم بصورة غير طبيعية.
استخراج النتائج:
آخر خطوات الطرائق العلمية تتمثَّل في استخراج النتائج، وتدوينها بصورة مُرتَّبة، مع توضيح وتفسير كل فرضية من الفرضيات، وفي ضوء ذلك يتم اعتماد الفرضيات أو رفضها.
وفي نهاية بحثنا عن الطرائق العلمية، لا يسعُنا إلا أن نتذكَّر معًا الرَّدَّ المُتواضع للعالِم "ألبرت آينشتاين" عندما سأله أحد الصحفيين عن إنجازاته العلمية، فأجابه قائًلًا: "لقد وقفتُ على شاطئ بحر العلم"؛ فهو بالفعل بحر لن يسبر أغواره أحد، والعلم المُطلق عند الخالق العظيم - سبحانه وتعالى عمَّا يُشركون - نُحِبُّكُم في الله.
يقدم موقع مبتعث للدراسات والاستشارات الاكاديمية العديد من الخدمات في رسائل الماجستير والدكتوراة لطلبة الدراسات العليا .. لطلب اي من هذه الخدمات