العمليات الأساسية في المنهج العلمي
هناك مجموعة من العمليات الأساسية في المنهج العلمي، والهدف النهائي يتمثَّل في التوصل لحقائق أو نظريات أو مُسلَّمات، وعلى جانب آخر يمكن أن يكون الهدف حلًّا أو معالجة لإشكالية في مجال تطبيقي، وبداية يجب أن نوضح أهمية المنهج العلمي في تنفيذ البحوث والرسائل العلمية؛ فهو بمثابة المنظم والمتحكم في إجراءات البحث العامة، ونقول العامة نظرًا لأن هناك تفصيلات وأدوات وآليات تختلف من بحث لآخر، وبدأ ظهور المنهج العلمي منذ فترة ما قبل الميلاد، وعلى أيدي فلاسفة اليونان القدماء، مثل: أفلاطون وسقراط وأرسطو وزينون الليلي وفيثاغورث وإقليدس، وأبدعوا في استخدام الاستقراء والاستنباط والقياس والمنطق، وبالطبع لم تكن تلك الطرق على الرغم من وجاهتها تُرضي طموح المُعاصرين، وظهرت طائفة من المُجددين داخل المجتمع الأوروبي تدعو إلى التحرر الفكري، والاهتمام بعنصر التجريب، وبدأ ذلك بمحاولات في القرن السادس عشر، وتلا ذلك مرحلة تأصيل للنظرية في القرن السابع والثامن عشر، وبالطبع لا يقف العلم عند حد معين، وما زال هناك الجديد في كل يوم.
عناصر المقال:
· قبسات ومعلومات حول المنهج العلمي.
· فائدة المنهج العلمي.
· العمليات الأســــــــاسية في المنهج العلمي.
· هل المنهج العلمي ذو نزعة فلسفية أم علمية؟
قبسات ومعلومات حول المنهج العلمي:
· مـــــعنى مصطلح المنهج العلمي: ترتبط كلمة المنهج بالمنهجية، والمنهج يُعبِّر عن أسلوب منظم لدراسة المشكلات العلمية، ومن ثم بلوغ الحقائق أو النظريات أو القوانين، ويعرف كذلك بكونه نهجًا ذهنيًّا يُمكِّن الباحثين من اكتشاف المعارف وفقًا لخطة مرسومة، أما المنهجية فيوجد أكثر من رأي حول مفهومها؛ فهناك من فسَّرها بعلم المناهج methodology؛ بمعنى العلم الذي يبحث في وضع إجراءات يتبعها الباحثون حسب تخصصاتهم، وآخرون يرون أن المنهجية ما هي إلا طرق وأساليب وإجراءات لتطبيق المنهج العلمي، وآخرون يرون أن المنهج عنصر من عناصر المنهجية.
· طبيعة المنهج العلمي الكلاسيكي: اختلفت إجراءات المنهج العلمي من حقبة زمنية لأخرى؛ فنجد فلاسفة اليونان قد اهتموا بالاستقراء؛ بمعنى الانتقال من دراسة المفردات إلى العموميات (من الظاهرة إلى النظرية)، أو ما يسمى بالاستنباط وهو عبارة عن (البدء بنظرية أو مُسلَّمة ثم التطبيق على المفردات)، وهما الطريقتان التي كانت تميز المناهج العلمية بشكل عام في تلك الفترة، وعلى الرغم من ذلك اعتاد البعض منهم على الطرق التجريبية والتحليلية، ولكن كان يتم ذلك في ظروف ضيقة.
· طبيعة المنهج العلمي المعاصر: إن مفهوم المنهج العلمي المعاصر أصبح أكثر توسعًا، ويعتمد على استخدام الباحث لأكثر من منهج في الوقت ذاته، والباحث هو قائد الدفة في ذلك، وبالطبع يخضع ذلك لطبيعة الموضوع المُثار بين جنبات البحث العلمي، وعلى سبيل المثال في حالة دراسة الباحث لظاهرة انحراف الفتيات فإن ذلك يتطلب المنهج الوصفي، وكذا يمكن استخدام المنهج التاريخي في تتبع بعض المصادر، وفي الوقت ذاته يمكن استخدام المنهج التجريبي في حالة رغبة الباحث في دراسة متغيرات بطريقة معملية، ويمكن أن يغير الباحث من ذلك الوضع ليخضع البحث برُمَّته إلى منهج دراسة الحالة الواحدة.
فائدة المنهج العلمي:
· فائدة المنهج العلمي على الوجه العام: يساعد المنهج العلمي في سيطرة الإنسان على الطبيعة، وكذا التكيف بما يُلائم عناصرها، وبالطبع ظهر ذلك جليًّا في التطور البشري على مراحل مُتتالية، وانتقل العلم من مرحلة التأمل المجرد، وأصبح يتسم بالقوة والسيطرة على مقاليد الأمور، بمعنى انتقاله من مرحلة التأمل إلى مرحلة التحكم.
· فائدة المنهج العلمي في الدراسات البحثية: إن استخدام البحث للمنهج العلمي من بين الأمور الضرورية التي يجب على الباحثين اتباعها، ودون ذلك سيؤدي إلى ظهور دراسات عشوائية، دون نتائج صحيحة.
العمليات الأســــــــاسية في المنهج العلمي:
على الرغم من وجود اختلاف التفاصيل فيما بين تطبيق منهج علمي وآخر، فإن هناك مجموعة من العمليات الأساسية في المنهج العلمي، ويتشارك فيما جميع المناهج، كما يلي:
اختيار مشكلة البحث:
ومن الناحية المنهجية فإن مشكلة البحث تتمثل في صعوبة معينة في الفهم، وذلك في مجال علمي معين، أما من الناحية العملية، فإن اختيار الباحث للمشكلة العملية قد يكون تبعًا لشروط جهة الدراسات العليا ذاتها، وتحت إشراف دكتور جامعي، ولا بد لها من وجود مصادر ومراجع، وكذا دراسات سابقة، ومن المهم أن تكون قابلة للبحث وليست مجرد ظاهرة من وحي خيال الباحث.
صياغة الفرضيات العلمية:
تُعتبر صياغة الفرضيات العلمية من أبرز العمليات الأساسية في المنهج العلمي، والفرضيات جمع فرضية، وتمثل الفرضية مقترح يقدمه الباحث يساعد على حل الإشكالية، وتتضمن الفرضية متغيرين بحثيين، ويطلق على أحدهما اسم المتغير المستقل، بمعنى سبب حدوث الظاهرة، والآخر المتغير التابع، بمعنى النتيجة التي تظهر، والأخير يرتبط بالمتغير المستقل بصورة إيجابية أو سلبية، وعلى سبيل المثال في حالة طرحنا للفرضية: كلما ارتفعت درجة الحرارة؛ قل خروج الناس لأعمالهم (علاقة سلبية)، وكذا الفرضية: كلما ارتفعت أجور العمال؛ زادت قدرتهم على الأنفاق (علاقة إيجابية).
تجميع المعلومات والبيانات ذات الصلة:
· إن المورد الرئيسي لأي بحث علمي يتمثَّل فيما يجمعه الباحث من معلومات وبيانات، وذلك من بين العمليات الأساسية في المنهج العلمي، ويوجد كثير من أنواع المصادر والمراجع والدراسات السابقة، ويمثل ذلك معلومات غير مباشرة، ولها بُعد تاريخي أو وثائقي، وكذا هناك نوعية من المعلومات الحديثة أو المعاصرة التي ترتبط باختيار الباحث لعينة دراسة لتمثل المجتمع الكلي محل الاهتمام.
· على سبيل المثال في حالة رغبة الباحث بدراسة تأثير مرض التوحد على الأطفال دون سن الخامسة؛ فمن الممكن أن يختار عينة من الأطفال المصابين بذلك المرض، وفي سنوات عمرية مختلفة من السنة الأولى وحتى الخامسة، ويُعرف ذك النوع باسم دراسة الاتجاه، ويكون بطريقة عرضية، بمعنى اختيار سنوات مختلفة من المفردات (الأشخاص) الذين تتوافر فيهم الخصائص المتعلقة بالظاهرة محل الاهتمام، وفي حالة التوصل لنتائج يتم تعميمها على باقي المجتمع.
· لكي يستطيع الباحث أو الباحثة تعميم النتائج؛ فلا بد من شروط فيما يتعلق باختيار عينة البحث، وفي طليعتها أن يكون هناك انسجام بين المفردات من حيث الخصائص، ويتوصل الباحث لذلك من خلال تطبيق بعض أدوات الإحصاء، مثل التوزيع الطبيعي، أو الانحراف المعياري، وفي تلك الحالة يختار الباحث عينة محدودة، أما في حالة عدم وجود تجانس فمن المفضل أن يختار الباحث عينة كبيرة الحجم.
· من بين طرق اختيار العينة الاحتمالية كل من: العينة البسيطة، والعينة الجغرافية، و العينة الطبقية، والعينة المزودة، والعينة العنقودية، وكذا يمكن اختيار عينة البحث بطريقة لا احتمالية، مثل: طريقة العينة الهدفية، أو الحصصية، وعلى الباحث أن يوضح طريقته في اختيار عينة البحث، ويشرح سبب استخدام تلك الطريقة دون غيرها.
استخراج النتائج مع تفسيرها:
آخر العمليات الأساسية في المنهج العلمي؛ تتمثل في وضع الباحث للنتائج التي يتم التوصل إليها، ومن المهم أن توضح تلك النتائج طبيعة العلاقة بين متغيرات الفرضيات، وكذا التوجهات التي أسفر عنها البحث، مع الأخذ في الاعتبار قيام الباحث بعملية تفسير لكل عنصر من النتائج، وبالطبع في حالة اتباع الباحث أسلوب العينة، فإن ذلك يستلزم استخدام كثير من المعادلات الإحصائية، وهناك عديد من برمجيات الكمبيوتر التي تساعد على ذلك في الفترة الراهنة.
هل المنهج العلمي ذو نزعة فلسفية أم علمية؟
وضع العالم الألماني كونت أُسُسًا لـ"علم المناهج"، ومنذ ذلك الحين نشب صراع بين الفلاسفة من جانب، والعلماء من جانب الآخر، فمن له حق تأصيل المناهج العلمية؟ إن المتدبر للأمور يرى أن الفلاسفة ليس لهم الحق الكامل في وضع مناهج العلوم، وبالمثل العلماء التنفيذيون، أو من يقومون بإجراء التجارب، ولكل منهم دور؛ فالعالم يقوم بتجربته سواء داخل المعمل أو على الطبيعة، وذلك في تخصص معين، أما الفيلسوف فلم يقُم بالملاحظة أو التجريب وما غير ذلك من إجراءات، ولكن لديه نظرة عامة في كثير من الميادين، بمعنى معارفه متنوعة، ومن خلال ذلك يمكن أن يستعين بما أنتجه العالم من مخرجات ذات جودة على أرض الواقع، ومن ثم ينظم ذلك في صورة منهج علمي.
يقدم موقع مبتعث للدراسات والاستشارات الاكاديمية العديد من الخدمات في رسائل الماجستير والدكتوراة لطلبة الدراسات العليا .. لطلب اي من هذه الخدمات