الموضوعية في البحث العلمي
تُعَدُّ الموضوعية من أبرز خصائص الباحث العلمي المُنضبط، وتُساعد في تحقيق المُستهدف من البحث، وَمِنْ ثَمَّ إضافة المزيد لرصيد المعارف البشرية إذا ما كان البحث نظريًّا أكاديميًّا، أو وضع أطر لمُعالجة السلبيات التي تحُدثها إشكالية إذا ما كان البحث تطبيقيًّا ميدانيًّا، والمُتمعِّن في فلسفة البحث العلمي يجدها تنصبُّ على محاولة الوصول لأعلى درجة من المنطقية في تفسير المشكلة أو الظاهرة، والمنطقية ذاتها قد تكون نتاجًا للاستدلال العقلاني، أو نتاجًا للرقميات التي يُفرزها التحليل الإحصائي.
ما مفهوم الموضوعية في البحث العلمي؟
المقصود بالموضوعية في البحث العلمي تجنُّب الباحث للتَّحيُّز الشخصي، وعدم إصدار الإحكام إلا بعد فحص ما لديه من أدلَّة وبراهين بتجرُّد وشفافية، وفي حالة عدم اتِّباع ذلك فسيُصبح البحث العلمي غير نزيه، ومُوجَّهًا لأغراض تنطوي على منافع ذاتية، ولن يُحدث الأثر المرجو منه، ويقال إن الباحث موضوعي بمعنى ينتهج الأسلوب الحيادي.
ما العوامل التي تجعل البحث العلمي غير موضوعي؟
-
معتقدات وقيم الباحث العلمي: والمقصود من ذلك الاعتقاد بـأحد الأمور دون أن يُقرن الباحث ذلك باستشهاد منطقي.
- أخـــــــــلاقيات الباحث العلمي: ترتبط الموضوعية البحثية بأخلاقيات الباحث؛ فبعض الباحثين قد يقع في براثن إحدى الجهات التي تُموِّل البحث العلمي، وبالتالي يُصبح البحث موجًها لتحقيق منافع خاصة، وَمِنْ ثَمَّ خُلوه من الموضوعية.
- طبــــــــــيعة البحث العلمي: طبيعة البحث العلمي ذاته قد تتحكم في الموضوعية؛ حيث إن البحوث التي تتصل بالموضوعات الاجتماعية والإنسانية يصعب فيها تحرِّي الموضوعية بصورة متكاملة، وليس بالضرورة أن يكون السبب هو معتقدات وقيم الباحث العلمي، فقد يحدث ذلك دون قصد، وذلك على عكس البحوث التي ترتبط بالموضوعات الطبيعية، مثل: الأحياء، والكيمياء، والرياضيات؛ حيث يسهل انتهاج الباحث للموضوعية؛ من خلال البرهنة الرقمية مع سهولة القياس.
ما الخصائص الأخرى الواجب أن يتَّسم بها البحث العلمي بخلاف الموضوعية؟
بخلاف الموضوعية في البحث العلمي فإن هناك خصائص أخرى يجب أن تتَّسم بها البحوث والرسائل العلمية؛ مثل: الثبات، والمنهجية، والصدق، وقابلية الاستنتاجات للتعميم، والتنبؤ بالأحداث المُستقبلية.
ما الذي ينبغي على الباحث أن يفعله لكي يزيد من مستوى الموضوعية في البحث العلمي؟
يوجد كثير من الأمور التي يجب أن يتبعها الباحث لكي يزيد من مُعدَّلات الموضوعية في بحثه العلمي، ومن أبرزها ما يلي:
الســـــيطرة على الذات:
إن الباحث العلمي الحق يتَّسم بالعقلانية، ويُمكن أن يكبح زمام الخيال غير الواقعي، وكذلك تجنُّب الأحكام التي تنبع من القيم والمعتقدات دون قرائن.
الارتـــــــكان للنظريات:
لكل تخصص علمي نظرياته الخاصَّة به، والتي تتضمَّن أُسُسًا سبق أن فصَّلها العلماء والخُبراء، وتم التأكد من صحَّتها، ولجوء الباحث لتلك النظريات دليل دامغ على موضوعيته.
تــــــــــعريف المفاهيم:
إعداد البحوث والرسائل العلمية يتطلَّب قيام الباحث بتعريف للمفاهيم أو المصطلحات العلمية، وذلك له علاقة بالموضوعية في البحث العلمي، فعلى سبيل المثال في حالة وجود رسالة أو بحث يتحدَّث عن تأثير الفقر في حدوث الجرائم، فهنا ينبغي على الباحث أن يضع التعريفات الإجرائية التي يقصدها من تلك المفاهيم، مثل: الفقر، والجريمة، وَمِنْ ثَمَّ يُهيِّئ القُرَّاء لتعقُّل إشكالية البحث.
استخدام أدوات الدِّراسة:
اختيار الباحث أداة بحثية أو أكثر يُساعد على تحرِّي الموضوعية في البحث العلمي، ومن أهم هذه الأدوات:
- الاستبانة: تُعرف الاستبانة على أنها استمارة تحتوي على مجموعة من الأسئلة التي ترتبط بموضوع البحث العلمي، ويعرضها الباحث على المفحوصين للإجابة عنها، وتُوجد أنواع مُختلفة من الاستبانات، ومنها الاستبانة المغلقة (المحددة)، وتتضمَّن أسئلة بحث يحدد لها الباحث إجابات مُرتَّبة، وهناك الاستبانة المفتوحة (غير المحددة)، وتتضمَّن أسئلة يُمكن أن يجيب عنها المفحوصون دون التقيُّد بخيارات للإجابة، وهناك كذلك الاستبانة المغلقة المفتوحة، والأخيرة هي الأكثر استخدامًا من النمطين الآخرين، وتحتوي على أسئلة مغلقة ومفتوحة، وذلك التنويع يُتيح للباحث الحصول على معلومات ثرية بالنسبة للأسئلة التي تتطلَّب ذلك، وكذلك معلومات مُختصرة بالنسبة للجوانب التي لا يحتاج فيها الباحث لإجابات مُطوَّلة.
- الملاحظة: تُساعد الملاحظة على جمع المعلومات من عيِّنة الدِّراسة (المبحوثين) عن قُرب، وبما يُدعم الموضوعية في البحث العلمي، وتتمثَّل الملاحظة العلمية في استخدام الباحثين لحواسهم الذاتية؛ مثل: البصر، والسمع، واللمس، وتُفيد المُلاحظ في البحوث ذات الصلة بالسلوكيات والتوجهات البشرية، وكذلك البحوث ذات العلاقة بالعلوم الطبيعية، وتُوجد أنواع وتصنيفات متعددة للملاحظة، ومن أبرزها الملاحظة البسيطة، والملاحظة المنظمة.
- المقابلة: تُشبه المقابلة العلمية أداة الاستبانة، ولكن تتطلَّب لقاءً مع المفحوصين وجهًا لوجه، وَمِنْ ثَمَّ يُلقي الباحث أسئلة، ويسجل الإجابات من المفحوصين، وقد تكون هذه الأسئلة مفتوحة أو مغلقة أو مختلطة، والمقابلة يلزمها تخطيط مُسبق، وتحديد الهدف منها، وكذلك اختيار التوقيت والزمان المناسبين لإجرائها؛ بالإضافة لخبرات وتدريب مكثف؛ كي يستطيع أن يحصل الباحث على المعلومات الصحيحة، والتي تُعضِّد من الموضوعية في البحث العلمية.
- الاختبارات: وتصدر تلك الاختبارات من المراكز البحثية المُتخصصة؛ بهدف التَّعرُّف على توجُّهات وسلوكيات الجماهير، أو لتحديد مدى مناسبة الأشخاص في شغل وظائف مُعينة.
- مقياس الاسقاطات: يناسب مقياس الإسقاطات الموضوعات التي لها صلة بعلم النفس، وهي عبارة عن تصوُّرات لما يدور بأذهان المفحوصين، ويرغب الباحث في التَّعرُّف عليها، مثل: إذا توافر لديَّ الأموال فسأشتري......، وَمِنْ ثَمَّ يعرف الباحث سلوكيات وسمات عيِّنة البحث.
اختيار المصادر التاريخية أو الوثائقية المناسبة والتأكد من مصداقيتها:
يجب على الباحثين اختيار المصادر التاريخية التي تناسب طبيعة إشكالية البحث العلمي، وفي الوقت ذاته عدم الاكتفاء بما تتضمَّنه تلك المصادر، بل يجب اتِّباع النسق المنهجي من حيث النقد الخارجي؛ بمعنى التأكد من صدق صاحب المصدر؛ من خلال معرفة وجهات نظر المعاصرين فيه، وكذلك النقد الداخلي؛ بمعنى تقويم المحتويات الداخلية للمصدر، وبعد ذلك يستنبط الباحث النتائج التي تفسر موضوع الدِّراسة، وكذلك بالنسبة للمصادر الوثائقية التي يجب أن تكون صادرة من جهات رسمية ومعتمدة.
الاختيار العشوائي لعيِّنة الدِّراسة:
- يُعَدُّ الاختيار العشوائي للمفردات من بين المجتمع الدِّراسي للبحث إحدى الوسائل النموذجية لتحرِّي الموضوعية في البحث العلمي، ومن بين طرق الاختيار العشوائي: طريقة العيِّنة الجغرافية، وطريقة العيِّنة المنتظمة، وطريقة العيِّنة الطبقية، وطريقة العيِّنة العنقودية، وطريقة العيِّنة المنتظمة، وطريقة العيِّنة البسيطة.
- ولكل طريقة من السَّابقة نظامها المنهجي الواجب على الباحث اتِّباعه، مع أهمية أن يصرح الباحث بكون العيِّنة مناسبة للحُكم على باقي أفراد المجتمع، ومن هذا المنطلق يجب على الباحث أن يقيس الانحراف المعياري، والتباين، والتوزيع الطبيعي للتَّعرُّف على مدى انسجام المشاهدات.
اختيار المعادلات الإحصائية المناسبة لقياس الترابط:
- يتطلَّب تنفيذ غالبية البحوث العلمية وضع مجموعة من الفرضيات، وكل فرضية تتضمَّن علاقة بين مُتَغيِّرين من مُتَغيِّرات البحث، ويجب أن يختار الباحث ما يُناسب قياس العلاقة من مُعادلات إحصائية، لتأصيل مبدأ الموضوعية في البحث العلمي.
- فعلى سبيل المثال نجد مُعامل ارتباط بيرسون يقيس العلاقة بين المُتَغيِّرات الفئوية، ومُعامل ارتباط سبيرمان يقيس العلاقة بين المُتَغيِّرات الرُّتبية، ومُعامل ارتباط فاي يقيس العلاقة بين المُتَغيِّرات الرُّتبية التي تتكوَّن من مُستويين قيميين.
- وتتراوح النتائج التي يحصل عليها الباحثون من معاملات الترابط بين -1، 1، وكلما اقتربت القيمة من (1) دلَّ ذلك على متانة العلاقة، والعكس في حالة اقتراب القيمة من (-1) دلَّ على ضعف العلاقة بين المُتَغيِّرين، أما في حالة كون العلاقة (صفرًا)، فإن ذلك يدلُّ على عدم وجود علاقة بين مُتَغيِّري الفرضية.
وبعد أن انتهاء تفاصيل مقالنا المُتعلِّق بالموضوعية في البحث العلمي؛ نُوجِّه عناية حضراتكم لتوافُر عدد لا حصر له من الخدمات الأكاديمية للطلاب والباحثين، وبأسعار مناسبة للجميع.
((اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم وبارك على سيِّدنا مُحمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسَلِّم)).
يقدم موقع مبتعث للدراسات والاستشارات الاكاديمية العديد من الخدمات في رسائل الماجستير والدكتوراة لطلبة الدراسات العليا .. لطلب اي من هذه الخدمات