خطوات المنهج العلمي
المنهج العلمي يُقصد به على الوجه العام مجموعة خطوات مُنظَّمة يتَّبعها الباحث لتفصيل ظاهرة أو مشكلة يرى أنها جديرة بالدراسة، ووفقًا لعديد من المُحدِّدات، وفي طليعتها أن يكون الموضوع ذا أهمية، ولقد برع العلماء والفلاسفة في وضع مناهج علمية مختلفة منذ القِدَم، ونرى على سبيل المثال ما وضعه فيثاغورس وإقليدس من قواعد أوَّلية متعلقة بالرياضيات، وكذا المنهج الفرضي الذي وضع قواعده "أفلاطون" و"سقراط"، والمنهج التمثيلي الذي أصل له "أرسطو"، وحديثًا نجد "فردريك لوبلاي" مطور المنهج الوصفي، وكذا "فرانسيس بيكون" مُحدث المنهج التجريبي، و"إرنست برنهام" الذي كان له دور كبير في وضع تصوُّرات للمنهج التاريخي في صورة حديثة، و"رسل" و"مور" اللذان كان لهما دور مهم في وضع معايير وأسس المنهج التحليلي، و"هارسل" صاحب منهج الظواهر، والإنجليزي "جون هاورد" صاحب منهج المسح الاجتماعي، والمنهج خطوات قياسية لعمل البحوث والرسائل العلمية، وتختلف في تفاصيلها على حسب نوعها.
الواقع العملي في تطبيق خطوات المنهج العلمي:
لا يستخدم منهج واحد فقط في إعداد الرسائل والبحوث العلمية، وهو ما يحدث عمليًّا، ويتطلب الأمر لجوء الباحث لأكثر من منهج في الوقت نفسه، وعلى سبيل المثال في حالة اختيار الباحث لإجراء دراسة مُقارنة بين قانون الإجراءات الجنائية في مصر وفرنسا؛ فيستخدم الباحث المنهج ألسببي المُقارن، وهو أحد تصنيفات المنهج الوصفي، وفي الوقت نفسه فإن الباحث لن يستغني عن المنهج التاريخي لتتبع عديد من النصوص القانونية، وظروف صياغتها، والحالة المجتمعية التي تختلف من بلد لآخر، ومن خلال ذلك يستطيع الباحث السيطرة على السلبيات التي تشوب منهج ما، وتعضيد البحث بمناهج أخرى، في محاولات مُضنية للخروج بأفضل النتائج، ونرى من خلال ما سبق ذكره وجود تقاطعات في خطوات المناهج العلمية.
هل تختلف خطوات المنهج العلمي من بحث لآخر؟
هناك اختلاف في خطوات المنهج العلمي فيما بين منهج وآخر، والأكثر من ذلك في أسلوب استخدام كل منهج ووفقًا لآراء متباينة، و لتوضيح ذلك لذهن القارئ نكتفي بمثالين:
الخلاف حول طريقة استخدام المنهج الوصفي:
يرى البعض أن المنهج الوصفي ينصبُّ فقط على التوصيف العام للظاهرة في وقت وزمن محدد، ومن ثم وضع التساؤلات، وجمع المعلومات، ووضع النتائج، وآخرون يرون أن المنهج الوصفي يمكن تطويعه لأكثر من ذلك من أجل إدراك العلاقة بين المتغيرات، لذا يمكن أن تصاغ الفرضيات في حالة وضوح المتغيرات، والتَّعرُّف على وجود علاقة ووجهتها، سواء أكانت متزايدة أو متناقصة، ويستخدم في ذلك المنهج الوصفي ألارتباطي، وآخرون يرون أن المنهج الوصفي يستخدم في أكثر من ذلك بهدف بلوغ الأسباب وقياس نسبة العلاقة بين المتغيرات على وجه الدقة، ويستخدم في ذلك منهج دراسة الحالة، والمنهج السببي المُقارن، وآخرون يرون أن المنهج الوصفي ليس ساكنًا أو استاتيكيًّا، ويمكن أن يقيس الظاهرة في مراحل زمنية مختلفة، ويستخدم في ذلك دراسات النمو، ودراسات التوجهات.
الخلاف بين خطوات المنهج العلمي التاريخي والوثائقي:
على الرغم من تشابه اسمي المنهجين التاريخي والوثائقي؛ فإن هناك بعض من يرون وجود اختلاف في خطوات إجراء كل منهما، وتلك الآراء تتمثل في كون المنهج التاريخي يتتبع المعلومات الماضية الموثقة، وهي معلومات تتعلق بموضوعات لها جذور تاريخية قديمة، ويقوم الباحث بنقدها، واستخلاص النتائج، بينما المنهج الوثائقي يتتبع المعلومات التاريخية الحديثة في نوعيتها، وهناك آراء أخرى ترى أن خطوات المنهج العلمي للطريقتين واحدة.
ما خطوات المنهج العلمي بشكل عام؟
كما سبق وأن أوضحنا في أن خطوات المنهج العلمي متباينة، وتختلف فيما بين المناهج، وفيما يلي سنورد خطوات المنهج العلمي التي تتشارك فيها معظم المناهج:
تحديد مشكلة البحث:
· وتُعَدُّ تلك الخطوة هي الأهم بين خطوات المنهج العلمي، ومشكلة البحث تمثل عدم رضا بالنسبة للبحث، ويرى الباحث أنه يمكن دراستها من خلال ما يملكه في جُعبته من معلومات أولية، ومن ثم وضع حد لها، والبداية تتمثل في ملاحظة تلك الظاهرة، والتدليل على وجودها.
· على سبيل المثال في حالة دراسة الباحث لظاهرة انخفاض الأرباح في إحدى الشركات التجارية، فإن ما هو واضح والملاحظ هو تضاؤل الأرباح، وعند التعمق فسينتج أكثر من سبب، وقد يتمثل ذلك في وجود خلل بنظم البيع، أو وجود منافسة شرسة، أو تهالك الآلات والمعدات، أو قلة خبرات العمال والموظفين، وعلى الباحث أن يدرس تلك الأسباب، بهدف إيجاد العلاج، ورأينا أن نورد ذلك كي لا ينخدع الباحث بالهيئة العامة للظاهرة ذاتها، والتعمق بصورة أكبر للكشف عن الإشكاليات الفرعية ومسبباتها، وإيجاد الحلول التطبيقية العملية.
تجميع البيانات والمعلومات من المصادر والمراجع وعيِّنات الدراسة:
تنقسم البيانات والمعلومات التي يستقيها الباحثون إلى:
· المعلومات التاريخية: ويطلع الباحث في تلك الحالة على المصادر والمراجع والمقالات والمجلدات والقواميس والموسوعات والدوريات العملية، والهدف هو تفصيل الظاهرة في بُعدها التاريخي.
· المعـلومات الحالية: يُقصد بالمعلومات الحالية أو الحديثة ما يجمعه الباحث من معلومات عن طريق اختيار عيِّنة بحث تمثل المجتمع الكلي للدراسة، فعلى سبيل المثال في حالة رغبة الباحث دراسة آراء دكاترة كليات العلوم بمصر فيما يخُصُّ مدى توافر التقنيات الحديثة في المعامل؛ فيمكن أن يختار أستاذًا أو أكثر من كل كلية علوم في الجامعات المصرية، ويكون ذلك بطريقة منهجية، وعند استخراج النتائج يمكن تعميم تلك الآراء على جميع أساتذة كليات العلوم في مصر، ويستخدم الباحث في ذلك أدوات البحث العلمي الشهيرة مثل الاستبيانات، أو المقابلات، وغيرهما.
· من أبرز الطرق التي يمكن أن يستخدمها الباحث في الحصول على المعلومات أسلوب العيِّنة العشوائية (الاحتمالية)، ويوجد أنواع لذلك الأسلوب، ويتمثل في: العيِّنة المساحية، والعيِّنة المنتظمة، والعيِّنة العنقودية، والعيِّنة الطبقية، والعيِّنة المزدوجة، والعيِّنة البسيطة، وكذلك فإن هناك أسلوب العيِّنة اللا عشوائية (اللا احتمالية)، ومن أنواعها: العيِّنة الهدفية، والعيِّنة الحصصية، والعيِّنة الصدفية.
· حجم العيِّنة التي يتطلبها البحث العلمي يتوقف على كثير من العوامل، ومن بينها على سبيل المثال: حاجة الباحث للتعميم، ومدى تجانُس مفردات المجتمع البحثي، ورغبة الباحث في الخلوص لنتائج أكثر دقة.
صياغة الفرضيات أو تساؤلات البحث:
يوجد اختلاف بين المنهجيين في ترتيب تلك الخطوة من خطوات المنهج العلمي؛ فهناك من يرى جمع الباحث للبيانات أولًا، ثم صياغة الفرضيات أو الأسئلة، وآخرون يرون أن الفرضيات والأسئلة بمثابة حلول حدسية، بمعنى يضعها الباحث وفقًا لتوقعاته، لذا فإنها تسبق خطة جمع البيانات، واختيار الباحث لوضع تساؤلات يشيع في البحوث الاجتماعية، حيث يصوغ الباحث سؤالًا عموميًّا، وبعضًا من الأسئلة الفرعية التي تدور في فلك مشكلة البحث، وقد تتضمن أسئلة البحوث متغيرًا واحدًا أو أكثر، أما الفرضيات فهي علاقة بين متغيرين، وقد تكون موجهة، بمعنى توقع الباحث لتلك العلاقة، سواء إيجابية أو سلبية، أو غير موجهة، بمعنى عدم معرفة الباحث لتلك العلاقة، ويظهر ذلك في صيغة الفرضية ذاتها.
اختبار صحة الفرضيات:
تلك الخطوة من أبرز خطوات منهج البحث العلمي، ويُستخدم فيما ما يتم جمعه من معلومات وبيانات مُوثَّقة، وكذا القيام بعملية تحليل إحصائي ومن خلال الدوال الإحصائية الشهيرة، مثل: التوزيعات التكرارية، أو مُعاملات الارتباط، أو الانحدار، أو المتوسطات (الوسيط، والوسط، والمنوال).
استخراج النتائج:
وهي آخر خطوات المنهج العلمي النظامية، حيث يقوم الباحث بصياغة ما يتوصل إليه من استنتاجات، ومن بين السمات الواجب توافرها في جودة النتائج أن تجيب عن تساؤلات البحث، أو توضح العلاقة بين الفرضيات.
يقدم موقع مبتعث للدراسات والاستشارات الاكاديمية العديد من الخدمات في رسائل الماجستير والدكتوراة لطلبة الدراسات العليا .. لطلب اي من هذه الخدمات