المنهج المقارن في البحث التربوي
قد يدرس الأفراد أو المجموعات موضوعاً أو ظاهرة معينة في أكثر من دولة، عندها يجب مراقبة وملاحظة المؤسسات الاجتماعية والثقافية والعادات والتقاليد والأنظمة ونمط الحياة واللغة والفكر في كل دولة على حدى، لإكمال تحليل البيانات باستخدام أدوات بحث مختلفة لكل دولة. يبحث الدارس عن أوجه التشابه والاختلاف لفهم أعمق للواقع الاجتماعي في هذه الدول المختلفة، هذا ما يسمى بالدراسة المقارنة التي عرّفها ويلسون بأنها "تقاطع بين العلوم الاجتماعية والتعليم والدراسة العابرة للأوطان، التي تحاول استخدام البيانات العابرة للأوطان لاختبار مقترحات حول العلاقة بين التعليم والمجتمع وبين ممارسات التدريس ونتائج التعلّم".
تعريف المنهج المقارن في التربية :
المنهج المقارن في التربية هو مقارنة نظام التعليم السائد في بلدان مختلفة وتحليل المشكلات في هذه الأنظمة للوصول للحلول. هذه المقارنة تقوم على تحليل الأفكار الاجتماعية والسياسية التي يعكسها التعليم وتلخيص هذه الأفكار وفحصها بشكل منهجي لاكتشاف أوجه الشبه والاختلاف بين هذه الأنظمة الثقافية المختلفة، للوصول للمشكلة -التي قد تكون مشتركة-تمهيداً للعمل البحثي في الموضوع وإيجاد الحلول. بعبارة أخرى، لإيجاد حلول للمشاكل في بلد ما يجب النظر للثقافات الأخرى ودراسة الضوابط التي وضعتها هذه الثقافات لحل مشاكلها.
أساليب الدراسات التربوية المقارنة :
-
الأسلوب التاريخي: يركّز على التاريخ والثقافة. ويرتكز على التحليل والتقويم لفهم المعنى الحقيقي لتاريخ معين من خلال مقارنة النمو والتطور لكل مجتمع منذ نشأته. لا يمكن اختبار موضوعات هذا الأسلوب بسهولة. يتم جمع البيانات بطريقة نوعية وليست كمية.
-
الأسلوب الاجتماعي: يركّز على التحليل. يرتكز على التأكيد على القيم التعليمية التي يمكن مقارنتها في التعليم العالي على جميع المستويات. في هذا الأسلوب يمكن دراسة جميع القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية المؤثرة في النظم التعليمية. وفي هذا الأسلوب يكون البحث معقداً ولا يمكن تعميم النتيجة. يتم جمع البيانات بطريقة نوعية وليست كمية.
-
الأسلوب المنهجي: يركّز على الاستقراء. يرتكز على تقديم الحلول لبحث تجريبي معمم أو حالات مدروسة، هنا فقط عدد قليل من الشروط يجب أن تتفق مع الظاهرة المدروسة. هذا الأسلوب معقد ويحتاج الكثير من الوقت. يتم جمع البيانات بطريقة كمية وليست نوعية.
-
الأسلوب الفلسفي: يركّز على التطوّر البشري. يرتكز على فهم كيفية التحكم في العالم وتحسينه وتطوير التعليم ووسائل التعامل مع الحياة الاجتماعية. مشكلة هذا الأسلوب أنه يركز على الطفولة وينظر للحياة كظاهرة فانية. يتم جمع البيانات بطريقة نوعية وليست كمية.
-
الأسلوب العلمي (الكلاسيكي): يركّز على المقارنة. يرتكز على التحليل المقبول، يجري مقارنات مع قضايا التعليم الأخرى، ويوفر التصنيف العلمي للمشروع البحثي. معظم الأبحاث التي تعتمد هذا الأسلوب تكون غير تجريبية. يتم جمع البيانات بطريقة كمية وليست نوعية.
-
الأسلوب العلمي (الحديث): يركز على سياقات المجتمع. يرتكز على جمع البيانات والمعلومات بشكل أكثر دقة وشمولية مما يزيد من صحة نتائج البحث. في هذا الأسلوب هناك صعوبة في الجمع بين النتائج النوعية والكمية وبالتالي يجب إعطاء وزن وتقييم لكل من الطرق الكمية والنوعية. يتم جمع البيانات بطريقة نوعية وكمية في آن واحد.
الخطوات المنهجية للدراسة التربوية المقارنة :
-
الوصف: وصف مشكلة البحث وما يتعلق بها من قوانين ولوائح وتقارير ومحاضر وبيانات وإحصائيات ومقالات وكتب وغيرها. يمكن أن نستخدم هنا البيانات الكمية مع المنهج الوصفي.
-
التفسير والتحليل: معرفة أسباب المشكلة، قد تكون هذه الأسباب نابعة من النظام التعليمي نفسه أو من الانظمة والأيديولوجية السائدة والمحيطة بهذا النظام التعليمي. هنا يجب البحث عن جذور المشكلة والتطور التاريخي لنظام التعليم.
-
اقتراح الحلول الملائمة: للحصول على نتيجة ذات منفعة لا بد من وضع الحلول المناسبة، هذه الحلول يجب أن تكون مبنية على الدراسة التحليلية ومناسبة للقيم القومية السائدة. يمكن أن يتم استخدام مناهج مختلفة حسب طبيعة الدراسة والهدف والمشكلة والبلد موضوع الدراسة.
بعض صفات المنهج المقارن في التربية :
-
التربية المقارنة هي وسيلة لتحسين وتطوير نظام التعليم.
-
يمكن تحديد التداخلات في مبادئ التعليم في مختلف البلدان على أساس نتائج الدراسات البحثية حول النظم التعليمية.
-
بعض الجوانب الخاصة لأنظمة التعليم في البلدان الأخرى يمكن أن تساعد في تعديل أنظمتنا التربوية.
-
أثناء الدراسة واعتماد الخصائص التربوية للدول الأخرى، يجب على الباحث أن يكون على دراية بالوضع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي السائد في بلده.
-
يجب إعطاء القضايا الوطنية والدولية أهمية كبيرة لأنها تساعد في تحديد وإزالة الأفكار القديمة والوصول للرؤى ووجهات النظر الجديدة.
-
التعليم هو أساس أي مجتمع لأنه يساعد المجتمع على تصور وبناء مستقبله.
مشاكل وعقبات البحث في التربية المقارنة :
-
الاعتماد على الإحصائيات الخاصة بنظم التعليم في البلدان المختلفة وهذه الإحصائيات قد لا تكون متوفرة في كثير من البلدان وخاصة البلدان النامية.
-
الإحصائيات الخاصة بالتعليم في حال توفرها قد تكون غير دقيقة أو مبالغ فيها وخاصة إذا كانت صادرة من جهات رسمية حكومية.
-
في حال توفرت الإحصائيات التعليمية الصحيحة، ستواجه الباحث مشاكل أخرى لتفسير هذه الإحصائيات. هذه الصعوبات تتعلق بالنظام القانوني والاقتصادي والسياسي السائد في البلد موضوع الدراسة، مثل معرفة المعلومات التي تتعلق بالعملة والقيمة الشرائية ومستوى المعيشة والميزانية.
-
تختلف المصطلحات التعليمية المستخدمة من بلد لآخر.
-
لا بد من الإلمام بعلوم أخرى عند القيام بالدراسة التربوية المقارنة. إضافة للفكر التربوي وأصول التربية والتعليم والمناهج وطرق التدريس، على الباحث أن يلم بعلوم الاقتصاد والاجتماع والفلسفة والجغرافيا وعلم الإنسان.
-
لا بد من الإلمام باللغات الأجنبية وخاصة لغة البلاد الأخرى موضوع الدراسة ليتمكن الباحث من دراسة هذه البلاد بلغاتها مما يمكنه من فهم نظامها التعليمي وكل ما يتعلق به.
-
أساليب التربية المقارنة لا تزال قيد الدراسة وهناك اختلاف وجدل بين الباحثين في هذه المجال، مما يسبب صعوبة في معرفة المنهج الأفضل والطرق الصحيحة للدراسة البحثية.
أهم الدراسات التربوية المقارنة في القرن العشرين :
-
دراسة للإنكليزي مايكل سادلر تنص على أنه لا يمكن نقل نظام تعليمي من مجتمع لآخر، لأن المجتمع الخارجي يختلف عن داخل المدرسة.
-
دراسة للألماني فريديريك شنايدر أكدت على أهمية الشخصية القومية للأمة والثقافة والفلسفة والعلوم والموقع الجغرافي، وأن هذه العوامل هي السبب في ظهور المشكلات التربوية.
-
دراسات اسحق كاندل التي أكدت على الأساس الوصفي والتاريخي والبراغماتي للمعلومات.
-
دراسات نيكولاي هانز التي أكدت على أهمية العوامل الطبيعية والدينية والعلمانية في النظام التربوي.
خاتمة :
في نهاية هذه المقالة يجب أن نؤكّد على الأهمية الكبيرة للمنهج المقارن في التربية، وتتجلى هذه الأهمية من خلال النقاط التالية:
-
زيادة المعرفة بالنظريات التربوية وعلاقتها بالمجتمع.
-
فهم أفضل لماضينا وحاضرنا والعمل على بناء مستقبل تربوي أفضل.
-
معرفة وفهم المشاكل التربوية في الدول الأخرى، بالتالي فهم أفضل لنظمنا التعليمية وكيفية حل مشاكلها.
-
زيادة قدرة نظم التعليم على الاستجابة للتحولات العالمية الفلسفية والمنطقية.
-
زيادة وعي المجتمع وإغناء المناهج بهدف حل مشكلات الواقع.
-
المساهمة في صنع القرارات التربوية ورسم السياسات التعليمية.
-
المساهمة في برامج التطوير والإصلاح التربوي على مستوى العالم.
-
العمل على مواءمة وتكييف النظم التعليمية لتعمل في مجتمعات مختلفة.
يقدم موقع مبتعث للدراسات والاستشارات الاكاديمية العديد من الخدمات في رسائل الماجستير والدكتوراة لطلبة الدراسات العليا .. لطلب اي من هذه الخدمات